كتاب رحلة بن فضلان إلى بلاد الترك والروس والصقالبة | الكتاب المسموع


رحلة أحمد بن فضلان إلى بلاد الترك والروس والصقالبة تعتبر وقائع وأحداث لابن فضلان كما دوّنها في رسالته إلى الخليفة المقتدر بالله ووصف فيها بلاد الترك والبلغار والروس والخزر وأيضاً البلاد ألاسكندنافية، من كتب الرحلات المهمة عند العرب، إذ أضاءت تلك الرسالة ثغرة كبيرة عن الماضي البعيد لتلك الشعوب، وقدّمت للروس إضاءة حقيقية لماضيهم البعيد، وأنارت في صفحات واسعة أساليب حياتهم في الزمن الغابر. في أمانة ودقة نادرين، لذلك فقد عنوا بترجمتها ونقلوا فصولاً عنها إلى لغتهم. وقد ذكر المستشرق الالمانى فراهن في تقديمه لابن فضلان في اللغة الألمانية: «إذا كان الغرب قد أغفل روسية فإن العرب تحدثوا عنها، فألقى العرب أنواراً كثيرة على تاريخ الغرب القديم، وأدلوا بمعلومات ناقصة، وخاصة عن البلغار وروسية في العهد البعيد.» وقد بدأ الاهتمام بالرحلة علي أيدي المستشرقين الروس باعتبارها من المصادر النادرة للتعريف بالملامح الجغرافية لتلك المناطق في وقت لم يكن تاريخ روسيا وما جاورها معروف في العصور القديمة والوسطي، ومن ثم تعد هذه الرحلة من أقدم ما قدم من معلومات خاصة عن بلغار الفولجا فليس هناك من سبق بن فضلان إلي هذه البلاد

خط سير الرحلة
طلب ملك البلغار ألمش بن يلطوار في وفد للخليفة بإرسال بعثه دينيه لتعلّم أهل مملكته الدين الإسلامي، ولبناء جوامع هناك، وحصون تحميهم من الأعداء من الخزر وقد استجاب الخليفة المقتدر بالله للأمرين معًا ويتحدث ابن فضلان في رسالته عن سبب هذه البعثة بقوله: «لما وصل كتاب “ألمش بن بلطوار” ملك الصقالبة إلى أمير المؤمنين المقتدر يسأله فيه البعثة إليه مِـمَّن يفقّه في الدين، ويعرّفه شرائع الإسلام، ويبني له مسجداً، وينصب به منبراً ليقيم عليه الدعوة له في بلده وجميع مملكته، ويسأله بناء حصن يتحصّن فيه من الملوك المخالفين له، فأجيب إلى ما سأل من ذلك.» وسافر الوفد من أربع أشخاص ومعهم رسول ملك البلغار ومعهم من يعرف لغة الأتراك الغز بحكم أصله ومرور الرحلة ببلاد الأتراك، وكان ابن فضلان من يتولي تسليم خطاب الخليفة والهدايا ومن بينها أدوية، ومع الوفد نفر من المعاونين للخدمة

العجم والأتراك
لا ينسى احمد بن فضلان وصفه الإثنوغرافي لشعوب الأتراك الغزية البدوية التي مر بها في رحلته، حيث يبدي أسفه على بقائهم على دين الوثنية «لهم بيوت شعر، يحلون ويرتحلون، وترى منهم الأبيات في كل مكان، ومثلها في مكان آخر، على عمل البادية وتنقلهم، وإذ هم في شقاء، وهم مع ذلك كالحمير الضالة لا يدينون لله بدين، ولا يرجعون إلى عقل، ولا يعبدون شيئاً، بل يسمون كبراءهم أرباباً… وأمرهم شورى بينهم، غير أنهم متى اتفقوا على شيء وعزموا عليه جاء أرذلهم وأخسهم فنفض ما قد أجمعوا عليه… وسمعتهم يقولون: لا إله إِلاَّ الله محمد رسول الله تقرباً بهذا القول إلى من يجتاز بهم من المسلمين.» ولا يغفل الجوانب الأخرى المتعلقة بسلوكهم الاجتماعي، ولا سيما علاقتهم بالمرأة، وعادات الدفن، فيذكر أنهم لا يهتمون بـ(عفة المرأة) ولا بستر (عورتها)، إذ نزلوا يوماً على رجل منهم ومعه امرأته « فبينما هي تحدثنا كشفت فرجها وحكته، ونحن ننظر إليها، فسترنا وجوهنا، وقلنا: “أستغفر الله”، فضحك زوجها وقال للترجمان: “قل لهم: تكشفه بحضرتكم فترونه، وتصونه، فلا يوصَل إليه، هو خيرٌ من أن تغطيه وتمكّن منه.» إلا أنهم لا يعرفون الزنا، ومن زنا منهم شقوه نصفين؛ أما رسوم تزوجهم، تقوم على أن يخطب الواحد منهم إلى الآخر بعض حرمه ابنته أو أخته بثوب خوارزمي، أو مقابل جمالاً أو دواباً، فإذا وافقه حملها إليه وإذا مات الرجل وله زوجة وأولاد، تزوج الأكبر من أولاده بامرأته إذا لم تكن أمه، ويذكر أن “أمر اللواط عندهم عظيم جداً، يقتلون من يمارسه”. وإذا مرض الرجل منهم ضربوا له خيمة يبقى فيها منفرداً إلى أن يموت، وإذا كان فقيراً رموه في الصحراء وتركوه؛ وإذا مات حفروا له حفرة كبيرة كهيئة البيت، وألبسوه ثيابه، وتركوا له ماله وأشياءه، وإناء نبيذ، وأجلسوه في البيت، وجعلوا له قبة. كما لاحظ أن الترك كلهم ينتفون لحاهم إلاَّ أسبلتهم (=شواربهم)، فيعبر ابن فضلان عن استيائه من هذه العادة، إذ يقول: « وربما رأيت الشيخ الهرم منهم وقد نتف لحيته وترك شيئاً منها تحت ذقنه، فإذا رآه إنسان من بُعدٍ لم يشك أنه تيس.» أما السلطة، فإن ملك الترك الغزية يقال له يبغو، ومن عاداتهم أن الرجل لا ينزع عنه الثوب الذي يلي جسده حتى ينتثر قطعاً. ويتحدث عن البجناك ، وهم قبيلة تركية غزية، طردهم الغزُّ أمامهم، فوجدهم ينزلون على ماء شبيه بالبحر غير جار “وإذ هم سمر شديدو السمرة، حليقو اللحى، فقراء، خلاف الغزية” ثم يقف عند قوم من الأتراك يقال لهم الباشغرد ، فرأى فيهم “شر الأتراك وأقذرهم، وأشدهم إقداماً على القتل”، يأكلون القمل، ويعبدون أرباباً مختلفة: ومنهم من يزعم أن له اثني عشر رباً: للشتاء رب، وللصيف رب، وللمطر رب.. وهكذا.. والرب الذي في السماء أكبرهم، فيعلق قائلاً: “تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً”، ومنهم طائفة تعبد الحيات، أو السمك، أو الكركي



عن ابن فضلان
أحمد بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي (877-960م) عالم إسلامي من القرن العاشر الميلادي. كتب وصف لرحلته كعضو في سفارة الخليفة العباسي إلى ملك الصقالبة (بلغار الفولجا) سنة 921م. الرحالة «ابن فضلان» غير معروفٍ إلا من نصّ رسالته ذاتها، إذ لم يَرِدْ ذكره ولا ذكر سفارته في كتب عصره ولا في مصدرٍ معروفٍ من مصادر التاريخ إلا في الرسالة التي دوَّنها بنفسه. وما يتَّضح عنه من دراسات المؤرخِّين أنه كان ابن ضابط مهمّ في الجيش العباسي. ولعلَّه فارسي الأصل وربما أتقن اللغة الفارسية، وقد كان كاتباً في حاشية الخليفة العباسي المقتدر بالله ورجلاً ضليعاً بالفقه والعلم الإسلامي. ولم يكن لابن فضلان منصبٌ ذا شأنٍ في حياته، إذ إنه أرسل في مسؤولية هامشية ضمن سفارته (ولم يكُن قائد السفارة ولا المسؤول عنها كما يظنُّ البعض)، والسفارة -نفسها- كانت متّجهة إلى بلادٍ شاسعة البعد وقارسة البرودة وقليلة الشأن على الصعيد السياسي وفي فترة انحطاط الدولة العباسية. ولم يكن ابن فضلان نفسه من الرحالة الكبار مثل ابن بطوطة، إذ إنه لم يخرج -على حد علمنا- إلا في هذه السفارة التي استمرَّت لمُدَّة عام واحد، والتي كانت لها -على طولها- وجهة رئيسية واحدة عاد منها إلى بغداد

أضغط هنا لتحميل نسخة من كتاب رحلة أحمد بن فضلان إلى بلاد الترك والروس والصقالبة

لمشاركة المسرحية و المقالة علي صفحتك في الفيسبوك، اضغط علي كلمة شير



التعليقات


مواضيع ذات صلة

Image placeholder

كيف ساهمت مسرحية زواج فيجارو في انطلاق الثورة الفرنسية

ودعا يعقوب بنيه وقال: «اجتمعوا لانبئكم بما يصيبكم في اخر الايام. اجتمعوا واسمعوا يا بني يعقوب، واصغوا الى اسرائيل ابيكم: راوبين، ز. فائرا كالماء لا تتفضل، لانك صعدت على مضجع ابيك....اقرأ المزيد


E-currency exchange listing

Image placeholder

٤٠٠ عام من التضليل عن حقيقة دون كيشوت

دون كيشوت هو أحد تلك الكتب التي كان تأثيرها بعيد المدى بحيث يكون في كل مكان تقريبًا ، مثل الأوديسية و الكتاب المقدس و ملحمة هوميروس ، غالبًا ما يتم الحديث عنه أكثر من قراءته. ومع ذلك ، فإن ما يميز رواية سرفانتس ...... اقرأ المزيد