فن و ثقافة

ما لم تعرفه عن أغنية رصيف نمرة خمسة

في عام ١٩٩٢ تم عرض فيلم ايس كريم في جليم و بالرغم ان الفيلم في قصته كان من الممكن ان يصبح فيلم يعبر عن الأفكار اليسارية التي كانت بتصرخ في وجه المجتمع و التغيرات التي حدثت فيه كنتيجة لسياسة الانفتاح الاقتصادي التي طبقها السادات و ما تبعه من تبعية كاملة لأمريكا .... و كان من الممكن بسهولة ان يصبح هذا الفيلم تدوين او تسجيل للفترة التي نشأ فيها جيلي و تشكل وعيه في ظل الهيمنة الأمريكية علي بلده ، غير ان وجود عمرو دياب كبطل للفيلم جعل الفيلم يبدو من النوع التافه التقليدي الذي يحكي قصة الشاب الأمور الروش ابو صوت حلو و شكل حلو اللي جاي من الأرياف للمدينة و بيعافر من اجل تحقيق حلمه ليصبح مطرب و طبعا يحدث هذا في اخر الفيلم! و طبعا لم تفوت هذه الفرصة علي عمرو دياب الذي هو في الحقيقة اتفه من شخصية بطل الفيلم نفسه، في راح يستعرض كل وسائل الروشنة المتاحة مثل انه قادم من الأرياف و يعمل في محل تأجير شرائط فيديو و يسكن في غرفة بجراج و مع ذلك يأكل كل وجباته اليومية عند بيتزا هت و يأكل آيس كريم عند باسكن روبنز كمان عنده بانيو في غرفة الجراج و بيانو و ساكسفون و يقود الموتوسيكل و هو يلبس الهيدفون و يستمع الي الفيس بريسلي و دين مارتن كل هذا بالرغم ان هذه الشخصية كان من المفترض ان يكون راتبه هو ١٥ جنيه في الأسبوع في تلك الفترة و علي هذا النحو جاء الفيلم مُهلهلاً و مفشوخاً اكثر من حالة مصر الاقتصادية في ظل سياسة الانفشاخ الاقتصادي .......... أضغط هنا لقراءة المزيد عن يوسف السباعي

رصيف نمرة خمسة

في وسط هذا الفيلم جاءت أفضل أغنية الفيلم و ربما او بالتأكيد أفضل ما غني عمرو دياب و هي أغنية "رصيف نمرة خمسة" و التي حمل الفيلم اسمها، و من العجيب -او بصراحة المتوقع - ان يقول عمرو دياب مؤخراً عن الأغنية انها أسوأ أغانيه و انه يكرهها و لا يفهم معانيها و لا يعرف ما الذي يُعجب الناس بها  و لهذا سأشرح للأخ عمرو دياب معني أغنيته كما فهمته وقتها في ١٩٩٢ وقت كان كان عمري ١٤ عام! بعيداً عن اللحن و الأداء الذان يشبهان أغاني الشيخ سيد درويش الله يرحمه، فان التركيز في الكلام وحده مُتعة و للنظر للكلمات و معانيها و سأكتب شرح لكل كوبليه

رصيف نمرة خمسة والشارع زحام
وساكت كلامنا ما لاقي كلام
تسالي يا خال، تدخن يا عم؟
تتوه المعاني في لساني لجام
كلاكس الترولّي بيسوِر وداني
وشحتة المزيّن بياكل ودان
يا نادي باريس تعالى وحاسبني
وجدول ديونه عشانه وعشاني

في هذه الابيات يضع لنا الشاعر صور منظر عام مصر في تلك الفترة زحام شديد و قبضة أمنية شديدة تمنعك من الكلام الا لو كان كلام تافه للتسلية فقط زاي ما شوفنا في التسعينيات فوازير نيلي و شريهان و برامج تافه و مبارايات كرة القدم لا اكثر و في وسط كل هذا الزخم من سيطرة مبارك و صوت المطرب يغني تحت يد شحته المزين او الحلاق يعني يعني ان المطرب او الشاعر هو من تلك الطبقة المطحنة التي تحلق علي الرصيف غير اننا نسمع صوت كورال بصوت فافي بيرد علي المطرب و يقول يا نادي باريس تعالي و حاسبني وجدول ديونه علشانه و عشاني، طبعا ده صوت علية القوم من سياسيين و حرامية الانفتاح و هم بيستعينوا بالمنظمة المشبوهة "نادي باريس" حتي تقوم إعادة جدولة ديون مصر بدلا من اعلان افلاسها أو تخفيف عبء الديون بتخفيض الفائدة عليها، او حتي الغائها و طبعا هذا لا يتم الا عن طريق صندوق النقد الدولي بعد أن يسيطر علي تلك الدولة المصرية التي فشلت في إدارة الدولة اقتصادياً و هو ما حدث معنا طبعاً الآن

وعبد الله رشدي المحامي القدير
بيرفع قضية في باب الوزير
على عم فكري بتاع البليلة
عشان مرة زعق بصوته الجهير
في هذا الكوبيله يتحدث الشاعر عن محامي اسمه عبد الله رشدي (غير الجدع التاني ده بس زايه) ذهب الي المحكمة و رفع قضية علي بائع فول و بلية اسمه عم فكري ، ليه بقي علشان صوته وحش و بيعمل ازعاج، طبعا عبد الله رشدي ده يشبه نبيه الوحش و الشيشتاوي و باقي المعرضين اللي بيروحوا بتكليف من المخابرات يرفعوا قضية علي بطانة رانيا يوسف اللي وقعت و علي العجلة اللي ركبت عليها روبي في أغنية ليه بيداري كده و كده و يشغل الرأي العام ببلبلة علي الفاضي و كلام فارغ، و عبد الله رشدي مش شرط يبقي محامي العكس ده ممكن يبقي حلمي بكر في الموسيقي و مرتضي منصور في للكورة و جابر القرموطي في الأعلام و كله شغال و الشعب نايم في العسل مشغول بكلامهم الفارغ و نادي باريس و البنك الدولي نازلين فحت في مصر

بقالة الأمانة ونصحي السروجي
عاملينلي شركة في مشروع بوتيك
ونادوا لعبده الفرارجي يشاركهم
فرَدّ بألاطة، ماحبش شريك
! وجت وقعة سودة في سوق الإمام
عشان عم لمعي بتاع الحمام
مقدرش يوصل لأي اتفاق
مع سبع افندي في قضية سلام
وأطفال عجايز في مهد الطفولة
وأفلام قديمة وإعلان كاكولا
تبَزنِس تعيش لآخر حياتك
ولو باعوا فرخة هتاخد عمولة
هنا بقي واحد من اجمل الكوبليهات اللي لتعبر عن ازاي ان المجتمع تفسخ خالص و طلعت عينة وسخة من قاع المجتمع علشان تشتغل في مجالات مش بتاعتها فصاحب محل بقالة قرر يشارك واحد سروجي في محل بوتيك بيبيع اغلب ماركات الملابس الاوروبية و الاتنين عرضوا الفكرة علي بياع فراخ اسمه عبده بس ده كان تنك و قال لهم لا أنا مش بحب اشارك حد فتعاركوا سوا في قلب سوق الأمام الشعبي و بقيت مليطة بالرغم ان عم لمعي بياع الحمام هو و السبع أفندي مقدروش يهدوا الجو بين الثلاثة دونا، ده طبعا حالنا في كل اللي بيحصل في مصر الناس ديه تشبه الحاج احمد الشبكي الجزار اللي قرر يبقي منتج أفلام و يقول مين يمثل و مين يقعد في البيت و علي رأي عمنا نجيب سرور "الفن قسـمه ونصيب قول بخت يا ابو بخيت...ما هوش مواهب ولا شهادات ولابعثات...الفن يا معرضين له عندنا حواديت..تغطى مليون سـنه موجات على قنوات" و طبعا عندنا الأخ نجيب ساويرس عميل السي اي ايه اللي هو رجع أعمال و صاحب مهرجان سينما و نجم برامج التوك شو و نجم تويتر و علي كل لون يا باتيتسا....هي ديه مصر مفيش اي اختصاصات حتي بياع الفل بقي بيبيع هامبورجر و سوسيس! و في وسط كل هذا العك نجد أطفال تولد مشوهة و بامراض عدة و مستشفيات قد امتلئت بمرضي لا يجدون التراب ليأكله و السرطانات لم تعد تجد شيئاً في اجسادهم النحيلة لتلتهمه ، غير ان علي اعلي مباني هذه المستشفيات ارتفعت إعلانات الكوكاكولا و البيبسي و الماكدونالدز بألوانها الصارخة و أضواءها المزعجة فلقد اصبح المبدأ شيلني و أشيلك و دعه يعمل دعه يمر و كما تقول الاغنية و لو باعوا فرخة هتأخد عمولة! بزنس بقي حتي تستطيع ان تعيش لآخر حياتك في التجمع الخامس و بيفرلي هيلز يا فقري يا ابن الفقري

تروماي بسنجة في روض الفرج
وأعمار تعدي لا يجي الفرج
ولا البحر باين لآخره مراسي
ولا حد راسي منين الفرج

( تنتهي الأغنية بمشهد رمزي من حي روض الفرج و سوق روض الفرج الذي لم يعد له وجود بعد ان تم نقله الي سوق العبور ، المشهد يبدو كأن الترام القديم ابو سنجة طويلة يسير في لا مبالاته اليومية بينما يولد ناس و يعشوا و يموتون في هذا الحي الشعبي الفقير بدون ان يعرفهم احد و بدون ان تصيبهم ضربة حظ واحدة حتي ينتقلوا الي بيفيرلي هيلز....ناس من نوعية علي باب الله و ماشي في نور الله يدعي و أقول يارب، و كما ان البحر لا يظهر ساحله او الطر الآخر له هكذا هي الحياة في مصر لا نري و لا نعرف مني يأتي الفرج و من ديكتاتور فاشل لدكتور اكثر فشلاً و يا قلبي يا غلبان لا تحزن

تعقيب: من المضحك المُبكي ان كاتب الأغنية و الفيلم هو مدحت العدل شقيق سامي العدل و الذي فيما يبدو انه كان يحمل افكار يسارية و اشتراكية قبل ان يتحول لانسان معرض برخصة و يقوم بتشغيله بريموت كنترول ظابط مخابرات اكثر تعريضاً ، خسارة القراءة و الثقافة يا مدحت و الله كنت فاكرك مختلف عن اخوك بس للاسف سامي الله يرحمه كان اجدع منك أيها العرض

لمشاركة المقالة علي صفحتك في الفيسبوك، اضغط علي كلمة شير

التعليقات

مواضيع ذات صلة